في التاريخ المعاصر، وتحديدًا في عام 1972، تنبه العالم إلى خطورة استنزاف الموارد، وقام نادي روما بنشر وثيقة “The Limits to Growth” «عوائق النمو»، والذي تم التركيز فيه على وقف استنزاف الموارد أو استهلاكها بشكل رشيد. وعلى إثر ذلك، تم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وأُصدر “إعلان استوكهولم” المعني بالبيئة البشرية، وتم اعتماده ويتضمن المبدأ رقم 13: “ضرورة التكامل والتنسيق في التخطيط التنموي لتحقيق حماية البيئة”، ومواجهة زيادة التلوث والحد من انبعاثات الكربون والتلوث الناجم عن الصناعة ومسببات التلوث. ونتجت عن هذه الإفاقة العالمية “اتفاقيات دولية” حول إغمار المحيطات، والتلوث الناجم عن السفن، وتجارة الأصناف المهددة بالانقراض.
في عام 1981، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية (WCED)، والتي عُرفت فيما بعد باسم لجنة (Brundtland). وفي عام 1987، قامت اللجنة بنشر (Brundtland Report) تحت عنوان “مستقبلنا المشترك”، وبنت على ما تم إنجازه في مؤتمر ستوكهولم، وقدمت واحدًا من أهم تعريفات التنمية المستدامة: «التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإضرار بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتهم». يقول بعض النقاد إن مفهوم التنمية المستدامة الوارد في تقرير لجنة (Brundtland) متفائل إلى حد كبير وغامض.
انتقل العالم لاحقًا بشكل أكثر تحديدًا وتجسيدًا للتنمية المستدامة في مؤتمر ريو 1992 في ريو دي جانيرو، بالبرازيل، ما عُرف بقمة ريو للأرض (Rio Earth Summit). وكانت أهم نتائجه أن أصبح مفهوم التنمية المستدامة شأنًا عالميًا، وتمت دعوة كافة الدول إلى إعداد استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة. وتقرر إنشاء لجنة التنمية المستدامة (CSD)، وتنظيم الأنشطة تحت محاور بيئية وتنموية محددة (نوعية الحياة، الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، حماية المشاعات العالمية، إدارة المستوطنات البشرية، النمو الاقتصادي المستدام). كما تم الاتفاق على الممارسات السليمة لتحقيق التنمية المستدامة في كل أنحاء المعمورة.
في عام 2015، أبرمت 194 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وثيقة “تحويل عالمنا” لأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، والمعروفة أيضًا بالأهداف العالمية، لتكون دعوة للعمل على إنهاء الفقر، وحماية كوكب الأرض، وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030.
ما يميز أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر أنها مترابطة ومتكاملة، وأن الإنجاز في جانب يؤثر على الجوانب الأخرى. ولهذا، من متطلبات التنمية “التوازن” بين مجالاتها الرئيسية، التي تتمثل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
إن التزام الحكومات والشركات، وكذلك منظمات المجتمع المدني، بتسريع وتيرة العمل خاصة في المجتمعات الأكثر تهميشًا والأقل تلمسًا لعوائد التنمية، يبرز أهمية فكرة “التحول” لإحداث فارق شامل في الأداء التنموي ومواجهة التحديات التي تستجلب الكثير من التداعيات على الحاضر وأجيال المستقبل، سواء كانت قضايا الفقر المدقع أو الجوع أو التمييز، وغيرها من أوجه المعاناة التي تجتاح واقعنا.
وعلى هذا، يتوجب العمل، والابتكار، والإشعاع المعرفي، وتوظيف التقنية، وتوجيه المخصصات اللازمة لدعم جهود مواءمة أهداف التنمية المستدامة واستثمار فرصتها.
أحدث التعليقات